قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك﴾
الخطابُ الالهي يَنهي عن الغلاظةِ بالقولِ والخشونةِ بالعملِ وهذه مُعضلةٌ تعاني منها اغلبيةُ الشعوبِ.
والإنسانُ الفظُّ القاسي يعجزُ عن التواصلِ مع الناسِ ، «لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» لانه سيصبحُ منبوذا في مجتمعِه وهذا الامرُ مخالفٌ للدينِ الحنيفِ الذي جاءَ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى الهِ وسلم الذي اسسَّ النظامَ الإسلاميَ على مبادئِ المحبّةِ والتسامحِ لبناءِ العلاقاتِ الطيبةِ بين الناس.
وما اكثرَ المشاكلِ التي يعاني منها المجتمعُ على مختلفِ انواعِه والوانِه في المجتمعاتِ المسلمةِ قبلَ غيرِها لاسيّما بينَ زوجٍ غليظِ القلبِ وزوجةٍ غيرِ مؤدبةٍ واولادٍ ضائعين في حبالِ الدنيا لذلك نرى الكثيرَ من العائلات تَظهرُ بمظهرِ الاسرةِ النموذجيةِ وانما بالواقعِ هي اسرةٌ مفككةٌ كلُ فردٍ من افرادِها يعيشَ اسيرَ اهوائِه وشهواتِه الماديةِ فيكونُ بعيدا كلَ البعدِ عن اللهِ سبحانَه وتعالى.
فالانحرافاتُ الفكريةُ والاخلاقيةُ التي تستشري بالمجتمعات بشكلٍ واسعٍ لها اسبابُها وتداعياتُها وافضلُ السبلِ لمواجهتِها بالاخلاقِ والقيمِ المعزّزةِ بالمبادئِ الدينية
لذلك اللهُ سبحانه وتعالى عندما اختارَ النبيَ محمدٍ صلواتُ الله عليه وعلى اله ليكونَ رسولا لرسالتِه اختارَه لمعيارٍ اساسيٍّ ومهمٍ الا وهو الاخلاقُ (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) اضافةً الى انه كانَ معروفا في اوساطِ الناسِ بمدينةِ مكةَ المكرمة بالصادقِ الامين.
فالاخلاقُ ايها الاحبةُ هي ركنٌ اساسيٌ لبناءِ حياةٍ صحيحةٍ ترتكزُ على الصدقِ والامانةِ وبدونِ ذلكَ تتحولُ الحياةُ الى جحيمٍ ودمارٍ وخراب.
لذلك العلاقاتُ تحتاجُ بالدرجةِ الاولى الى الاحترامِ المرتكزِ على حوارٍ شفافٍ وصادقٍ مبنيِّ على اسسٍ دينيةٍ صحيحةٍ وبعيدا كلَ البعدِ عن النفاقِ والدهاءِ والانتقامِ والكيديةِ في التعاطي مع الاخرين وهذه الامورُ من مكائدِ الشياطين.
والقرانُ الكريمُ دعا المؤمنين للاقتداءِ بالرسولِ الاكرمِ صلواتُ اللهِ عليه وعلى والهِ وسلم بالقول
((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ))
وهذا الامرُ طبّقَهُ اميرُ المؤمنين عليه السلام قولا وعملا ((ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه))
فالانسانُ ليكونَ متكاملا في مجتمعِه من جانبِ السيرِ والسلوكِ وليس بالمظاهرِ العباديةِ عليه ان يقتديَ بسيرةِ الرسولِ الاكرمِ صلى الله عليه وعلى اله ونهجِ اهلِ البيتِ عليهم السلام ليصبحَ فردا من افرادِ الامةِ الاسلاميةِ التي تامرُ بالمعروفِ وتنهي عن المنكر كما عبّرَ عن ذلك القرانُ الكريم.
((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ))
كيف يمكنُ لنا ان نصلَ الى هذا المقامِ الذي ارادَهُ اللهُ سبحانه وتعالى ورسولُه واهلُ بيتِه الطاهرين .....
الامامُ عليٌ عليه السلام وضعَ المعيارَ للسيرِ والسلوكِ في هذا الطريقِ في كتابِ نهجِ البلاغةِ
(( وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ))
لذلك الامامُ سلامُ اللهِ عليه حَرَصَ على تربيةِ نفسِه وتاهيلِها بالتقوى من خلالِ قولِه سلامُ اللهِ عليه
((ما رأيتُ شيئا إلّا ورأيتُ اللهَ قبلَه وبعدَه ومَعَهُ"))
لذلك علينا ان نسلكَ مسلكَ اميرِ المؤمنين عليه السلام في حياتِنا لنرى اللهَ بقلوبِنا وعقولِنا لنسيرَ بانفسِنا الى اللهِ سبحانَه وتعالى من خلالِ التفقهِ بالدينِ لمعرفةِ الحلالِ والحرامِ وهذا الجانبُ الافضلُ لاجتنابِ المعاصي وارتكابِ الذنوبِ جراءَ الاغراءاتِ الدنيويةِ وحبائلِ الشيطان، الأمرُ الذي يؤثرُ على حياتِنا، ويبعدُنا كلَ البعدِ عن اللهِ سبحانَه وتعالى.
بالتقوى ايها الاحبةُ وهي فعلُ الواجباتِ التي أمرَ بها اللهُ ورسولُه الكريم واجتنابُ الشُبُهاتِ، وتركُ المحرّماتِ، والابتعادُ عنها. اضافة الى فعلِ السننِ، وتجنبِ الانهماكِ في المباحات ، لأنها تَزيدُ فرصةَ وقوعِ الإنسانِ في الشبهاتِ. والاجتهادُ في طاعةِ الله، ومحاولةُ التفكّرِ في أمورِ الدنيا والآخرة، إذ يتوجّبُ على المسلمِ أن يكونَ على استعدادٍ دائمٍ للقاءِ ربه، لأنه لا يعلمُ متى يأتيه الموتُ، ولأنه يعلمُ أن الإنسانَ مسؤولٌ عن اعمالِه، وأن اللهَ سيحاسبُهُ على ما فعَلَهُ في عُمُرِه. فتحقيقُ الموازنةِ بين حاجاتِ النفسِ والجسدِ ، وبينَ ما أمرَ به اللهُ. فالإخلاصُ في العملِ، وعدمُ ابتغاءِ السمعةِ والشهرةِ بينَ الناسِ، وخَشيةُ اللهِ في كلِ الأماكنِ، وبكلِ الأقوالِ، واستشعارُ مراقبتِه له سواءٌ أكانَ ذلك سرّاً أم علناً، وتحرّي الألفاظِ التي لا تُغضبُ اللهَ سبحانَه وتعالى ،ونَعبُدُه في كلِ الأمورِ خوفاً منه، وطمعاً في رضاه، وأجرِه، وثوابِه، ورحمتِه. نجاهدُ انفسَنا ، والاستقامةُ، والصبرُ على الأذى. اضافةً الى الأمرِ بالمعروفِ، والنهيِ عن المنكر.
((وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى ، فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا))
لذلك اميرُ المؤمنين قالَ حبُ الدنيا راسُ كلِ خطيئةٍ واضافَ في كلامٍ اخرَ اذا اردت من الدنيا ما يكفيكَ فأقلُ ما فيها يكفيك واذا اردتَ من الدنيا ما لا يكفيكَ فكلُ ما فيها لايكفيك فحبُ الدنيا هو افةُ المجتمعِ وهو امُ المصائب الذي يدفعُ بالانسانِ الى الانانيةِ والجشعِ والطمعِ كما نشاهدُ في الدولِ التي تعاني الازماتِ الناسُ تخلّت عن اخلاقِها ودينِها وضمائرِها وتحوّلت الى وحوشٍ ضارية تفترسُ الاخضرَ واليابسَ وتفتكُ بالشعوبِ لاسيما الدولُ التي تعيشُ على بيعِ الاسلحةِ فتُسعرُ نارَ الفتنةِ بين الانظمةِ وتحرضُ على شنِ الحروبِ لتزيدَ من بيعِ الاسلحةِ ولا يعنيها ما سيَحُلُ بهذا الشعبِ او ذاك والاسوأُ من ذلك ان الدولَ نفسَها تتغني بحمايةِ حقوقِ الانسان وتزعم بانها تحمي الحرياتِ في العالمِ
لذلك الحلُ الوحيدُ لسلامةِ المجتمعِ هو بالعودةِ الى اللهِ سبحانَه وتعالى عبرَ التقوى لانها سلامةُ القلبِ من الحقدِ، والضغينةِ، والبَغضاءِ، والحسدِ، حيث يكونُ مليئاً بالحبِ ، واللينِ، والرقّةِ، والعطفِ،والخيرِ، والفضيلةِ، وذكرِ الله، والإصلاحِ بينَ الناس. ومساعدةِ الآخرين، وتقديمِ النفعِ لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق