امير المؤمنين الامام علي عليه السلام ومذ تشرف الوجود بنور وجوده المقدس اصبحت الارض مثقلة باعظم الصفات بعد الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم ، وكانت بداية حياته مسجدية في الكعبة ومسيرته عبادية بالمعنى الاعم للعبادة اعني العامودية والافقية وخاتمته مسجدية وبالشهادة المباركة ، وكان عليه السلام يعيش نبض الناس ، يشاركهم جشوبة العيش ومكاره الدهر ، لا يضع حجابا بينه وبينهم ، يحب المساكين ويحبوبه كما في الخبر عن الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم ، وكان لا يتخير الاطعمة ولا الالبسة ، وقدم اعلى نموذج للحكومة العادلة بالرغم من كل المؤامرات والحروب والمحن التي حاول اصحابها الحيلولة بينه وبين النموذج الحكومي العادل ، وقد كان بحق ابا رحيما والناس عياله كما ورد في زيارة الخضر عليه السلام ، وقد جمع عليه السلام الاضداد كما وصفه الشاعر بقوله :
جمعت في صفاتك الأضـــــداد • فلهذا عزت لــك الأنــداد
زاهد حاكم حليم شــــــــــجاع • ناسك فاتك فقير جــواد
شيم ماجمعن في بشر قـــط • ولاحاز مثلــــــهن العبـاد
خلق يخجل النسيم من اللطف • وبأس يذوب منه الجماد
فلهذا تعمقت فيك اقــــــــوام • بأقوالهم فزانوا وزادوا
الامة الواحدة - مقالات
ان الملازمة بين امير المؤمنين الامام علي عليه السلام والقران من الواضحات بدليل القران والوجدان والبرهان والعرفان ، بل المطابقة بينه عليه السلام وبين القران من المتسالم عليه ، فلا نستطيع التفريق بين علي والقران والقران وعلي عليه السلام ، فعلي عليه السلام ومنذ { اقرا باسم ربك الذي خلق } كان مجبولا بالقران ، وقد اختلط لحمه ودمه بالقران ، ولهذا لم يسبقه على القران سابق ولم يلحق به لاحق . قال عليه السلام : ما نزلت على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم آية إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله لي أن يعطيني فهمها وحفظها ؛ فما نسيت آية من كتاب الله تعالى ، وعلماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي .
تاملوا في هذا لتعلموا درجة التطابق بين علي عليه السلام والقران .
ومن هذا المنطلق كان علي عليه السلام مع القران على نحو المعية ، وكان القران مع علي عليه السلام على نحو المعية ، وقد ورد في الحديث الشريف : علي مع القران والقران مع علي . كما ان امير المؤمنين عليه السلام كان رائد كل صفة في القران ، وفي الحديث : ما من اية ورد فيها {يا أيها الذين آمنوا } إلا وعلي أميرها وشريفها وراسها . كيف لا وعلي عليه السلام هو العامل بما يعلم ، وقد ورد في الخبر : علي أعلم الناس بالكتاب والسُّنّة . وقد روي عن الأصبغ بن نباتة أنَّه قال : لمَّا بويع أمير المؤمنين علي عليه السلام بالخلافة ، خرج إلى المسجد فقال : سلوني قبل أن تفقدوني ؛ فوالله إنَّي لأعلم بالقرآن وتأويله من كل مُدَّعٍ علمه ، فوالذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسَمة لو سألتموني عن آية لأخبرتكم بوقت نزولها وفيمَ نزلت . وقال عليه السلام : سلوني عن كتاب الله ، فإنَّه ليس من آيةٍ إلاّ وقد عرفت أبليلٍ نزلت أو بنهارٍ ، في سهْلٍ أو جبلٍ . وعن ابن مسعود أنَّه قال : إنَّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنَّ عليَّ بن أبي طالب عليه السلام عنده من الظاهر والباطن . وقال عبد الله بن عباس : والله ، لقد أُعطي علي بن أبي طالب عليه السلام تسعة أعشار العلم ، وأيُم الله لقد شارككم في العشر العاشر .
لقد كان اهتمام علي عليه السلام بالقران اهتماما عظيما ، وقد كان موكلا بالدفاع عن تاويل القران المجيد كما كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مدافعا عن التنزيل ، وكان عليه السلام من اعظم التالين للقران المجيد ، وقد ورد انه عليه السلام كان يتلو الايات الخمس في جوف الليل والتي هي : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢)رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣)رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } .
نحن وتبعا لمنهجيتنا في اننا نتحدث عن الشخصية ونرتب على الحديث وظيفة ، فإن ما يهمنا هو السلوك والعمل ، ولهذا نصغي الى جملة من الاخبار الواردة عن امير المؤمنين عليه السلام للحث على الاهتمام بالقران وحفظه والتدبر بسوره واياته والعمل له ، فقد قال عليه السلام : ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ ، ولَنْ يَنْطِقَ ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ : أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي ، والْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي ، ودَوَاءَ دَائِكُمْ ، ونَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ . وقال عليه السلام : واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُو النَّاصِحُ الَّذِي لا يَغُشُّ ، والْهَادِي الَّذِي لا يُضِلُّ ... فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ ... فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وهُو : الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلالُ ... واعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ... واسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ ، واسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، واتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ ... وقال عليه السلام : الله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم .
وقال عليه السلام : ما جالس هذا القرآن أحد الا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، ونقصان من عمى . وقال عليه السلام : فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فان فيه شفاء من أكبر الداء .
وقال عليه السلام : وتعلّموا القرآن فإنه أحسن الحديث .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق