قال (ع) أوحى الله إلى بعض الأنبياء: أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة ، وأما انقطاعك إلي فيعززك بي. ولكن هل عاديت لي عدوا وواليت لي وليا. صدق ولي الله .
نعم الزهد يعطي راحة ، لانه عملية تخفف من شيء ثقيل ، فهو بالحقيقة يكسب الانسان راحة نفسية وراحة خارجية .
الا ترى ان الاثرياء يذهبون الى اماكن بعيدة بعيدة عن اثقال اعمالهم وممتلكاتهم ويحاولون الاسترخاء في تلك الاماكن من خلال العيش بكل بساطة .
ان الدنيا برمتها بالنسبة الى البصير بها هي عبء ثقيل عليه وتركها اكبر راحة له .
واسمحوا لي بتمرير هذه الفكرة النقدية هنا حول الزهد ، هذه الفكرة مفادها : ان الكثير من طلاب العلم او الفضلاء يتوجهون الى الناس بالقول : الزهد ليس ان تمتلك الشيء بل ان لا يمتلكك الشيء . ومثل هذا المضمون بعبارات والفاظ مختلفة .
يعني انك قد تجد عالما يقود سيارة باهظة الثمن ولكنه من اهل الزهد لانه يمتلك السيارة ولكن السيارة لا تمتلكه وهي لا تعني له شيئا . وهكذا في سائر الممتلكات .
نحن بدورنا نقول : اسمحوا لنا ايها الاحبة ! ايها الاعزة ! فالامر بالتنظير وبالصالونات الادبية والمراكز البحثية ممكن . ولكن هذا الامر بالواقع ومع الناس ليس كذلك .
فالفلاح وعامل الاجرة والبائع الجوال والمهني وغيرهم من ابناء هذه الطبقة الكادة لا يستطيعون التفكيك بين حديث العالم عن الزهد وبين سيارته الباهظة الثمن او قصره العالي !
انهم مباشرة يحدثون انفسهم بالقول : ها هو يتحدث عن الزهد فيما سيارته بالسعر الكذائي وبيته بالمبلغ الكذائي !!
فالحل اذن ان يتحدث من يمتلك المال والمتاع عن كل شيء الا عن الزهد ، فليتحدث عن العلم وعن الشجاعة وعن مجاراة الحداثة وغير ذلك وهكذا . ولكن لا يتحدث عن الزهد لانه لن يستطيع اقناع من لا يقتنع بالجمع بين كون الانسان مالكا للاشياء وبين كونه غير مملوك لها .
ان الامام الجواد ( ع) يريد افهامنا من خلال هذا المقطع عن الزهد بأن الزهد ليس مؤشرا عاما على صحة الايمان ، فقد يجتمع الزهد مع مجاراة اعداء الله المتعال والسكوت عن مخازيهم كما حصل ذلك فعلا مع بعض الزهاد في ظل ظلم الدولة الاموية ، وكما حصل فعلا مع بعض الزهاد في ظل الدولة العباسية .
فالزهد اذن ليس مؤشرا مقوما للايمان فضلا عن كونه يعود بالفائدة على الانسان في الدنيا لانه يؤمن له الراحة والبعد عن القلق والاضطراب والحرص ، وهذا ما صرحت به العلوم المرتبطة بتحقيق الذات .
هذا في الزهد ، واما في الانقطاع الى الله المتعال بحسب حديث الامام الجواد ( ع) ، فإن الانقطاع الى الله المتعال يعطي نتيجة قوية في الدنيا وهي التعزز بالله المتعال .
فالمنقطع الى الله المتعال بالعبادة والتضرع والخشوع والدعاء والمناجاة يتعزز بالله المتعال فلا يصيبه الذل البتة ( الهي هب لي كمال الانقطاع اليك ) .
والسؤال : هل الانقطاع الى الله المتعال هو المؤشر الحقيقي والمقوم على صحة الايمان ؟
الجواب : كلا . فليس هو المؤشر الحقيقي على صحة الايمان وليس هو المقوم الصحيح للايمان .
والدليل على ذلك هو نفس كلام الامام الجواد ( ع) عقيب هذه العبارة : واما انقطاعك الي فيعززك بي ، ولكن هل عاديت لي عدوا وواليت لي وليا .
فالانقطاع الى الله المتعال ما لم يقترن بمعاداة اعداء الله وموالاة اولياء الله المتعال ليس مؤشرا على صحة الدين والايمان .
فمن الممكن ان تكون من الطراز العبادي الاول ، من الطراز التضرعي الاول ، من الطراز الركوعي والسجودي الاول ، من الطراز الاعلى في صلاة الليل ، وفي تلاوة القران ، وفي الابتهال والمناجاة لله المتعال ، ولكن ما هو المؤشر العام على صحة وسقم كل عباداتك وكل انقطاعك لله المتعال ؟ ما هو المصحح لكل ذلك والحابط لكل ذلك ؟
انه يدور مدار الولاية والبراءة وجودا وعدما !! الولاية لاولياء الله والمعاداة لاعداء الله المتعال .
في عهد الانبياء والاوصياء (ع) كان المؤشر الصحيح على التدين والايمان معاداة اعداء الانبياء والاوصياء وموالاة اولياء الانبياء والاوصياء .
وفي عهد الاسلام والى الان المؤشر الصحيح للتدين والايمان هو ولاية محمد وال محمد ومعاداة اعداء محمد وال محمد . هذا معنى : ولكن هل عاديت لي عدوا وواليت لي وليا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق