بسم الله الرحمن الرحيم
أحببت أن أقف على قضية العظمة في شخصية أم البنين التي حولتها من امرأة عادية الى زوجة انموذجية ثم الى رمز حقيقي للمرأة العظيمة حتى يومنا ..
فالوقوف على مفهوم العظمة بحد ذاته يستقي أهميته من أهمية وجود قدوة في حياة الناس خصوصا عند حدوث ثورات مجددة في حياة الأمة.. عندها لا بد أن هذه الثورات قامت على مواقف غير اعتيادية وعلى شخصيات ذات فرادة وقيم متقدمة عن الحالة السائدة ظهرت في محطات مفصلية لتؤسس مفهوما ثوريا جديدا لكسر الخنوع ربما او لاطلاق صرخة او لتثبيت مبدأ واحيانا لارساء اطروحة انسانية جديدة ذات صدى وفعالية في وجدان الأمة ..
لن اطيل الشرح في تأكيد الثوابت والمعلومات في شخصية السيدة فاطمة بنت حزام الكُلَّابيَّة! من وقوفها بجانب أهل بيت النبوة أمام مكاره الدهر وتوالي المصاعب والمظالم عليهم وصولا الى واقعة الطف والثبات المنقطع النظير مع إمامها وهي الوالدة التي فدته فلذات اكبادها ولم تضييع البوصلة ولم تضييع المسار والهدف..
لأقول أن في القراءة المفهومية للشخصيات نجد البشرية تمجد الشخصيات بحسب ارتباطها بالابعاد القيمية السامية كالصدق والعدالة والانصاف والكرم والتضحية في سبيل القضايا الكبرى ونبذ الظلم والذود عن حرم الناس وعدم تضييع الغايات الكبرى والترفع عن الصغائر وتقديم مصلحة الأمة عن المصلحة الخاصة.. وفي البعد الديني التولي بأولياء الله والتبري من اعداء الله وصولا الى اسمى تجليات العظمة في حياة هؤلاء في مخالفة الهوى والقبول بالفناء وبذل المهج وفلذة الكبد في سبيل القضية دون تزلزل.. في مصداق واضح للاية الكريمة {أولئك الذين امتحن الله قلوبَهم للتقوى}..
حقا نستطيع القول أن السيدة ام البنين بلغت درجة الوجاهة لبلوغها القدرة على التصرف خارج الاسباب الطبيعية التي اعتدنا عليها... مما يشعرك بأن كيان هؤلاء العظماء بما فيهم هذه السيدة العظيمة قد خرج بالتمام من قيد الشخصانية نحو الذوبان الكلي في ذات الله من خلال الطاعة التامة لوليه رغم فطرة الأمومة ورغم الآلام ورغم الترمل والعطش والقهر والأسر صمدت هذه العظيمة بصورة اسطورية عجيبة ما يعكس امرين أساسيين تميزت بهما واستوجبت من خلالهما التماس اسباب الرفعة والوجاهة لسببين أساسيين :
الاول : وجود استعدادات وقابليات مخصوصة لدى هذه السيدة.. حتى قبل اختيار امير المؤمنين لها كزوجة وراعية لايتامه من اهل بيت النبوة وهذا يتجلى في الإيثار الكبير الذي ادته في دورها في حضانة ايتام الزهراء سلام الله عليها ابتداء من تخليها عن اسمها رعاية لمشاعرهم واستمرت بمييرة جهادها حتى بعد انجابها للأبناء بل جهدت لتصنع منهم دروعا وعضدا خالصا لإمامهم، فتجليات الأخوة الخالصة في شخصية ابي الفضل العباس لم تكن من غير أسبابها التربوية وشروطها النفسية المخصوصة بفضل بصيرة وصدق الولاء في البناء القيمي والاخلاقي لدى هذه الفاضلة.
ولعلها ايضا بلغت ملكة التقوى أيضا بعدما محّصت بهذه الابتلاءات وترفعت عن غيرة المرأة وحرص الأم وخاضت تجربتها من غير أن تفتتن بما يفتتن به السواد الأعظم من الناس..
في البعد السياسي : جاهل من يعتقد ان اسباب الرفاه لم تكن قريبة المنال لأمثال ام البنين.. لطالما تم شراء ذمم غيرها من زوجات الائمة وحتى بنيهم لاحقا.. حقا نستطيع القول أن السيدة ام البنين بلغت درجة الوجاهة لبلوغها القدرة على التصرف خارج الاسباب الطبيعية التي اعتدنا عليها .. فنجد ام البنين رغم فطرة الأمومة ورغم الآلام ورغم الترمل والعطش والقهر والأسر صمدت هذه العظيمة بصورة اسطورية عجيبة ما يعكس أمرين أساسيين تميزت بهما واستوجبت من خلالهما التماس اسباب الرفعة والوجاهة المعنوية :
فقد احرزت المودة الخاصة لدى اهل البيت عليهم السلام فكانت مصداق الآية الكريمة {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعلُ لهم الرحمان وُدّا}.. وقد ورد في وصفها : أنها كانت من النساء الفاضلات، مخلصة في ولائهم ممحضة في مودتهم ولها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرفيع..
الثاني : الذي منحها أسباب الوجاهة هو العمل والثبات وفق المعتقد.. وصولا الى نيلها مودة الناس.. فوجدان هؤلاء الموالين يعي معنى ان تخرج سيدة فاضلة كريمة بموقف بطولي ولائي تاريخي بما لا يقوون هم عليه بمواقف مماثلة بالثبات نفسه يجعلهم يتوجهون ويستشفعون بها الى الله ويجعلون منها وسيلة الى الله.. هذه المشهدية التاريخية تعد بحد ذاتها انتصارا لمحور الخير في وجه محور الاستكبار وافسادا لمخطط العدو في محو معالم دين الله عبر اقصاء رموزه وقادته.. وفي تهميش دور المرأة وحرف مساره الإلهي العظيم وجعله وسيلة للتكاثر وتحقيق اللذة.
خلاصة القول أن اشتمال أمثال السيدة أم البنين على مكارم الخلق ورسوخ وقوة الارادة وصلابة الموقف والاخلاص في المودة ووضوح الرؤية وعمق البصيرة والرفعة والسمو وصولا الى العظمة التاريخية لا تزال تفيض ببركاتها علينا الى يومنا هذا من حيث كونها القدوة الصالحة والمربية النموذجية لنساءنا وارامل وزوجات الشهداء وزوجات الاب ومربيات الايتام ... كل هذه القيم الكبرى وان لم نستطع حصرها في شخصية ام البنين يدعونا لاستخراج جميع الابعاد النفسية والتربوية من سيرة هذه السيدة وطرحها نموذج داخل وخارج السيرة الحسينية كنموذج حي وملهم في حياة الأمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق