ورد في كتاب الكافي الشريف لثقة الاسلام الكليني قدس الله نفسه الشريفة ان سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام اقبلت الى الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم تشكوه بعض امرها ، فاعطاها صلى الله عليه واله وسلم كربة ( اي لوحا ) وقال : تعلمي ما فيها ، واذا فيها : من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يؤذي جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليسكت ". صدق رسول الله وصدقت ابنته عليهما الصلاة والسلام .
تحدثنا في الدرس السابق عن موضوع الجار ، والان نتحدث عن موضوع الضيف ، ففي موضوع اكرام الضيف فإن في هذا الموضوع ثمة افراط وتفريط ، فأما التفريط فهو فقدان عادة اكرام الضيف في الكثير من المناطق بل واضمحلالها في البيوت فلم يعد الناس يضعون الطعام من دون سؤال كما في السابق وانما رأسا يضعون له قهوة او شايا او شرابا وانتهت الحكاية !!! وربما بعضهم لم يعد يستقبل الضيف اصلا ! واما الافراط فإن بعض الناس يسرفون بالضيافة الى درجة غير مقبولة ، وبعضهم استبدل الضيافة البيتية بضيافة الاستراحات والمطاعم بزعم ضرورات المكان والمكين !! وبعضهم يبذل ما لا يطاق من المال وحرمان العيال من اجل اكرام الضيف !! وكلا الحالتين الافراطية والتفريطية غير صحيح ، والصحيح هو اعادة الضيافة الى البيوت وبصورة متوازنة من ناحية الضيافة ، اي بما يصدق على العيلولة عينا بعين !!
سيدتنا الزهراء عليها السلام تحثنا على الضيافة واكرام الضبف وتعميم ظاهرة الضيافة ، فقد كان ايراهيم عليه السلام من اهل اكرام الضيوف ، الا ترى انه راسا اتى لهم بابطعام حيث قال الله المتعال عنه : {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون } . ولهذه الضيافة قصتها ومناسبتها ولكننا انتزعنا منها انه جاء بعجل سمين ، وورد عن امامنا الصادق عليه السلام بأن المكارم عشرة فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن .. وعد منها إقراء الضيف . وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت . وعن امير المؤمنين عليه السلام لعلاء بن زياد لما رأى سعة داره : إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف ... وعنه عليه السلام : من آتاه الله مالا فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة . وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام . وعنه صلى الله عليه وآله : البيت الذي يمتار منه الخير والبركة أسرع إليه من الشفرة في سنام البعير . وعنه صلى الله عليه وآله : كل بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخله الملائكة . ولكن لننتبه من الضيافة المقصورة على الاغنياء والممنوعة عن الجوعى ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الشبعان ويحبس عنه الجيعان . وعنه صلى الله عليه وآله : يكره إجابة من يشهد وليمته الأغنياء دون الفقراء . وعن الإمام علي عليه السلام - مما كتب إلى ابن حنيف عامله على البصرة -: يا بن حنيف ... وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو . ومن هنا ينبغي استضافة احباب الله والاتقياء واهل الحاجة ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : أضف بطعامك من تحب في الله . وعنه صلى الله عليه وآله : - لأبي ذر وهو يعظه - : أطعم طعامك من تحبه في الله، وكل طعام من يحبك في الله عز وجل ، وعنه صلى الله عليه وآله : لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي . ومن هذا المنطلق نفهم مغزى إجابة دعوة المؤمن حتى لو كنت صائما ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : أوصي الشاهد من أمتي والغائب أن يجيب دعوة المسلم - ولو على خمسة أميال - فإن ذلك من الدين . وعن الإمام الصادق عليه السلام : من الحقوق الواجبات للمؤمن على المؤمن أن يجيب دعوته . وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : من الجفاء... أن يدعى الرجل إلى طعام فلا يجيب أو يجيب فلا يأكل . وعنه (صلى الله عليه وآله): لو أن مؤمنا دعاني إلى طعام ذراع شاة لأجبته ، وكان ذلك من الدين .
وهناك اشكالية ينبغي معالجتها وتتمثل في استقلال ما يقدم إلى الضيف وبالعكس ، فعن
رسول الله صلى الله عليه وآله : كفى بالمرء إثما أن يستقل ما يقرب إلى إخوانه، وكفى بالقوم إثما أن يستقلوا ما يقربه إليهم أخوهم . وعن الإمام الصادق عليه السلام : هلك لامرئ احتقر لأخيه ما حضره ، هلك لامرئ احتقر من أخيه ما
قدم إليه . كما ان هناك اشكالية التكلف للضيف كما ذكرنا في اول شرح الحديث ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تكلفوا للضيف . وعنه صلى الله عليه وآله : لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر . وعنه صلى الله عليه وآله : من تكرمة الرجل لأخيه أن لا يتكلف له شيئا . وعن الإمام الرضا عليه السلام : دعا رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: قد أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال، قال: وما هي يا أمير المؤمنين ؟قال: لا تدخل علي شيئا من خارج ، ولا تدخر عني شيئا في البيت ، ولا تجحف بالعيال ، قال: ذاك لك يا أمير المؤمنين ، فأجابه علي بن أبي طالب عليه السلام . وورد إن الحارث الأعور أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك ! أحب أن تكرمني بأن تأكل عندي ، فقال له علي أمير المؤمنين عليه السلام : على أن لا تتكلف شيئا ودخل ، فأتاه الحارث بكسر فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يأكل، فقال له الحارث : إن معي دراهم وأظهرها فإذا هي في كمه ، فقال : إن أذنت لي اشتريت لك ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هذه مما في بيتك . وعن أبي وائل قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي فجلسنا عنده، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا أبزار عليه ، فقال صاحبي: لو كان لنا في ملحنا هذا سعتر ، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على سعتر ، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا . فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتي مرهونة . فالتكلف غير ممدوح نعم يمكن التفكيك بين مجيء احد الضيوف اليك بلا دعوة فلا تتكلف وبين دعوتك لاحد فتقوم بالاعداد الجيد بما يتناسب مع الدعوة كما عن الامام الصادق عليه السلام حيث قال : إذا أتاك أخوك فأته بما عندك ، وإذا دعوته فتكلف له .
وليكن معلوما ان للضيافة اداب ، فعن الإمام الصادق عليه السلام : إذا دخل عليك أخوك
فأعرض عليه الطعام ، فإن لم يأكل
فأعرض عليه الماء ، فإن لم يشرب فأعرض
عليه الوضوء . وعن ابن أبي يعفور : رأيت عند أبي عبد الله (الصادق ) عليه السلام ضيفا ، فقام يوما في بعض الحوائج ، فنهاه عن ذلك ، وقام بنفسه إلى تلك الحاجة ، وقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن أن يستخدم الضيف . وباالاضافة الى عرض الطعام والشراب والوضوء بالتدرج وعدم استخدام الضيف ينبغي الاكل مع الضيف لا الاكتفاء بإطعامه كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله : من أحب أن يحبه الله ورسوله فليأكل مع ضيفه . وعنه صلى الله عليه وآله : من أكل طعامه مع ضيفه فليس له حجاب دون الرب . وكما ان للمضيف اداب فكذا للضيف اداب ومنها الالتزام بالمجلس الذي اجلسه فيه الضيف ، ومنها عدم احراج صاحب الدعوة باصطحاب احد ما لم يحرز من صاحب الدعوة رضاه باصطحاب احد ، فعن الإمام الباقر عليه السلام : إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله فليقعد حيث يأمر صاحب الرحل ، فإن صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه. وعن
رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا دعي أحدكم إلى طعام فلا يستتبعن ولده ، فإنه إن فعل ذلك كان حراما ودخل عاصيا .
يبقى الحديث عن بعض العادات التي منها الضيافة لثلاثة ايام بالنسبة للضيف المقيم ، فهل فيها نصوص ام لا ؟ الجواب : ورد في ذلك نصوص كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله : الضيف يلطف ليلتين، فإذا كانت الليلة الثالثة فهو من أهل البيت يأكل ما أدرك . وعنه صلى الله عليه وآله : الضيافة أول يوم والثاني والثالث ، وما بعد ذلك فإنها صدقة تصدق بها عليه .
واما عن اصحاب الولائم لمناسبات عديدة فعليهم اخذ العلم بما ورد في الاخبار الشريفة من حدود ينبغي الالتزام بها من ناحية الاداب بمعزل عن الحكم الشرعي ، فعن الإمام الباقر عليه السلام : الوليمة يوم ويومان مكرمة ، وثلاثة أيام رياء وسمعة . وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : الوليمة أول يوم حق ، والثاني معروف ، وما زاد رياء وسمعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق