في كتاب الكافي الشريف لثقة الاسلام الكليني عن محمد بن يحيى عن العمركي بن علي عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة . صدق ولي الله .
اذا تصفحنا سيرة الشخصيات الالهية نجد وجود شبه تلازم بين الصدق والشهادة ، وهذا ما ظهر بقول الله المتعال : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣)لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} . لاحظ جزاء اهل الصدق { ليجزي الله الصادقين بصدقهم }
ففاطمة عليها السلام اذن صديقة شهيدة كما في رواية الامام الكاظم عليه السلام . والحديث عن هاتين الصفتين اولا وثانيا .
اولا : صديقة : وصف صديق وصديقة بالتشديد هو وصف خاص بصفوة من الناس ، بفئة خاصة من الناس وهو بمعنى المبالغة في الصدق وكثرة الصدق والمداومة على التصديق بما يوجب الحق ، بحيث ان الصديق والصديقة بالتشديد يكون متعودا على الصدق تماما كما يقال لملازم الشكر شكير ولملازم الشرف شريف .
والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام من اعظم الصادقين ، فهي صديقة وزوجها امير المؤمنين عليه السلام صديق ، كما ان مريم صديقة في قوله تعالى : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون } وفي القران تم استخدام هذا المعنى بغير واحدة من الايات كقوله تعالى : { صديقا نبيا } وكقول الله المتعال : {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} . وقد روى الحاكم الحسكاني باسناده عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم : الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب الثالث وهو افضلهم . وروى باسناده عن أبي ليلى - واسمه داود بن بلال بن أحيحة - قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم : الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } . وحزقيل مؤمن آل فرعون وهو الذي قال : {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ } ، وعلي ابن أبي طالب الثالث وهو افضلهم .
لاحظ التلازم بين الصديق والشهيد ، والشهادة كما ترى نتجت عن الموقف الصادق الحق والشجاع .
انظروا الى هذا الخبر في الكافي الشريف : عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الرحمن بن سالم عن المفضل عن أبي عبد الله ( الصادق) عليه السلام قال : قلت لأبي عبد الله ( الصادق) عليه السلام : من غسل فاطمة ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين - وكأني استعظمت ذلك من قوله - فقال : كأنك ضقت بما أخبرتك به ؟ قال : فقلت : قد كان ذاك جعلت فداك . قال : فقال : لا تضيقن فإنها صديقة ولم يكن يغسلها إلا صديق ، أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى .
فعيسر عليه السلام صديق وهو الذي قام بتغسيل مريم عليها السلام الصديقة والامام علي عليه السلام صديق وهو الذي قام بتغسيل الزهراء الصديقة .
من المعلوم والمحتوم ان الصديقة الزهراء عليها السلام هي افضل النساء كما هو عليه الحال من الذي عرفناه من علو مقاماتها الاشراقية ومنزلتها عند الله المتعال ، ولهذا كانت صديقة ؟ ولهذا عاشت اعلى مظلومية .
ان وظيفتنا العملية امام صفة ( صديقة ) تتمثل بالصدق الاعم من الصدق اللساني اي ان نكون من اهل الصدق بالمعنى الاخص اي باللسان ومن اهل الصدق بالمعنى الاعم اي بالشخصية المنسجمة ظاهرها مع باطنها ، فكل ما يظهر علينا من ألسنتنا ومن شعاراتنا ومن انتساباتنا ومن مواقعنا العلمية والعملية وتخصصاتنا عليه ان يكون منسجما مع باطننا وحياتنا الواقعية المخفية عن الناس .
ان قلت : هل اذا خالف بعض ظاهرنا باطننا ففعلنا شيئا في الخفاء خلافا لشعاراتنا في الظاهر . نكون من اهل النفاق والعياذ بالله ؟ الجواب : لا . وانما هذا يدل على ضعف الارادة وضعف العزيمة ! يدل على وجود نقاط ضعف ، لانك عندما اطلقت الشعار كنت صادقا ولكن ارادتك ضعفت في العمل بينما المنافق من الاساس عندما يطلق شعارا يكون ضامرا ان لا يفعل .
فبهدي من صدق الزهراء عليها السلام وكونها كانت صديقة علينا ان نكون من اهل الصدق بالمعنى الاخص فلا نكذب ومن اهل الصدق بالمعنى الاعم فتنسجم شخصيتنا الظاهرية مع شخصيتنا الباطنية الواقعية.
ثانيا : شهيدة : والان نأتي الى الصفة الثانية في حديث الامام الكاظم عليه السلام : فاطمة صديقة شهيدة . نعم فاطمة عليها السلام شهيدة في سبيل الله . فاطمة مظلومة . فاطمة حاملة لاعلى عنوان المظلومية . فاطمة مهضوم حقها . وكل مظلومية متفرعة عن مظلوميتها ، حتى مظلومية الحسين عليه السلام متفرعة عن مظلوميتها . بعضهم يقيس المظلوميات من ناحية الكم وكثرة العدد وهذا غير سليم البتة ، وانما قياس المظلوميات على تاسيسها وابتدائها ، لاحظوا قوله تعالى عقيب الحديث عن تأسيس القتل من قبل قابيل لهابيل :{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } . فالاسراف في الجريمة والقتل بعد ذلك انما بسبب هذا التأسيس والتاصيل للجريمة والقتل . ولهذا قال الحسين عليه السلام في كربلاء قبل استشهاده :
يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته ، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي ، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني ربي بالشهادة بهوانكم ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون . قال: فصاح به الحصين بن مالك السكوني فقال : يا ابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منا ؟ قال: يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم ، ثم يصب عليكم العذاب الأليم .
نعم فهذا الكم الهائل من الجرائم والقتل بين المسلمين انما مرده الى جريمة قتل الحسين عليه السلام لانها اسست لعملية الاستهانة بالقتل ، وجريمة قتل الحسين عليه السلام مردها الى مظلومية الزهراء عليها السلام لانها اصل يوم العذاب كما في الاخبار الشريفة والرويات المنيفة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق