اعتبر رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان وعضوالأكاديمية الحبرية المريمية العالمية في الفاتيكان سماحة السيد علي السيد قاسم ان فكر الإمام الصدر وتجربته هي الطريق للخروج من الإنقسام السياسي والطوائفي الذي يحوِّل لبنان إلى ’’واقع استخباراتي‘‘ متعدد ومتشابك.
وخلال كلمته بعنوان "بناء الدولة في فكر الامام الصدر" التي القاها في الندوة الفكرية عبر العالم الافتراضي الذي دعا اليها مركز حوار الاديان والثقافات في لبنان بالتعاون مع مركز الامة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية في ايران تخليدا للذكرى السنوية 42 لتغييب الإمام الصدر بعنوان "الامام الصدر رسول التسامح والتعايش" اكد سماحته ان الخطر الخارجي المتمثل بالعدو الاسرائيلي يتوحد حوله اللبنانيون، أما الفتنة الطائفية فهي تؤدي الى التفكك والتفتيت والانهيار الداخلي.معتبرا ان الوحدة الوطنية هي الاساس وهي غير ممكنة من دون تغليب ما هو مشترك بين اللبنانيين
نص الكلمة
كلمة رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان وعضوالأكاديمية الحبريةالمريمية العالمية في الفاتيكان
سماحة السيد علي السيد قاسم
في الندوة الفكرية لإحياء فكر الامام القائد السيد موسى الصدر "أعاده الله" والتي دعا اليها مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان بالتعاون مع مركز الأمة الواحدة في طهران بعنوان :
بناء الدولة في فكر الامام الصدر
□□□□□□□□□□□
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يختلف اثنان على أن حركة الإمام الصدر شكَّلت نموذجاً جديداً على الساحة اللبنانية والإقليمية. بل إن مظلومية الإمام، لا تقتصر على تغييبه بل تتجاوز ذلك، لتصل الى تقصير النخب العلمية، فيما يخص طرح شخصية الإمام موسى الصدر المتعددة الأبعاد والجوانب. لم يكن الإمام عالم دينٍ مجتهد فحسب، بل كان زعيماً سياسياً، عارفاً بالقضايا الإجتماعية، مُحترفاً في فنون التواصل ونسج العلاقات، فقيهاً في الحقوق المدنية والمواطنة، مُطَّلعاً بعمق على أسس بناء الدولة وشكل النظام.
شكَّل الإمام ببُعد نظره حالةً نموذجية أحاطت المشاريع الغربية بالخطر.
إلى أن التَمَس المُخطط الغربي خطر الإمام ، في ظل ظروفٍ كانت الفتنة فيها كبيرة لدرجة يمكن اخفاء أي قضية وعليه نقول ما أخفى الإمام هو بُعد نظره ومصداقية حركته!
في عام 1975 بدأت الحرب الأهلية في لبنان وبقيت حتى العام 1990 خلال هذه الفترة عرف لبنان أبشع حقبة من تاريخه المعاصر.
في عام 1978 اختفى الإمام الصدر في ليبيا، ومنذ ذلك الحين لم يُكشف مصيره.
(من 1978 حتى 1990) كانت فترة كافية لتمييع قضيته وكأنك تجد رابطًا بين اختفائه والقرار الإستراتيجي بتدمير لبنان من خلال إضعافه وإبقائه رهينة لسياسات أطراف التدخل الخارجي !
اليوم، وبعد ثلاثين عاماً من قيام النظام اللبناني بعد الحرب الأهلية، ما يزال اللبنانيون يتقاسمون الرؤى المُختلفة لوطنٍ يُعَرفُّه كلٌ على طريقته ، حيث لا يوجد مفهومٌ واحد للنظام أو الكيان اللبناني.
بعد مرور 42 عاماً على تغييب الامام يمكن القول أن المشروع الذي قدَّمه الإمام الصدر حول شكل الكيان والدولة اللبنانية هو الاوفر حظًا والأسلم بين كل الطروحات التي قدمت وعليه سنُشير إلى أهم أسس هذا المشروع:
أولاً: لا يمكن إحداث إصلاح في النظام السياسي من خلال الطائفية أو الثنائية الطائفية، بل إن بداية التغيير تبدأ من تأسيس تيار اجتماعي عابر للطوائف والمذاهب والأحزاب.
ثانياً: إن قاعدة المواطنة تكمن في تعزيز فكرة الدولة كملجأ لجميع اللبنانيين ما يجعل من مشروع بناء الدولة معيار للوحدة والتضامن الوطني.
ثالثاً: الكيان الإسرائيلي هو عدو جميع اللبنانيين ، والمقاومة تُشكَّل خيار للبنانيين في مواجهة هذا الكيان.
رابعاً: التكافل الوطني والتعاون هي شروط أساسية لبناء الوحدة السياسية الداخلية فيما يجب أن يمتنع اللبنانيون عن استخدام لغة الإبتزاز الداخلي فيما يخص ممارسة السياسة اللبنانية.
خامساً: لبنان بلد متعدد ومتنوع، ونموذج للتعايش الإسلامي المسيحي في المنطقة والعالم، فالدين بجوهره واحد، والإنسان هو القاسم بين هذه الأديان ما يجعل أمام اللبنانيين فرصة، لإبراز القيم المشتركة بين هذه الديانات.
سادساً: الإعلام أداة هامة، والتركيز عليها ضرورة كما الإنتباه الى دورها التربوي والتثقيفي لتعميق الوحدة والمواطنة.
وعليه نقول أن طروحات الامام جاءت متقدمة، بل يمكن وصفها بالثورية ويمكنني تلخيصها بعدة عناوين :
١_انتقل الإمام من مفهوم الوطن إلى مفهوم الدولة؛ وهذا تطور لافت لأن الشعب يعتاد على أرض يستقر عليها وهي بالأصل مفهوم متحرك وهي أرض الله، بينما مفهوم الدولة ثابت يمكن العمل والبناء عليه .
٢_تطور علاقة الفرد بالوطن المشخص الحدود والمحدد الهُوية إلى نهائية الكيان، وهذا ما ورد حرفيًا في وثيقة الوفاق الوطني، لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه..
٣_ دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. (واردة حرفيا في اتفاق الطائف).
٤_ الموقف من الدولة المدنية /إلغاء الطائفية السياسية :لم يؤيد الإمام العلمنة كفصل تام بين الدين والدولة، للابقاء على قانون الأحوال الشخصية، ولا العلمنة الإلحادية لاختلافها مع ثقافة المنطقة كمنطلق للأديان ،وهذا ما اسماه العلمنة الناقصة.
٥_ الدعوة لبناء الدولة المقاومة لقناعته أن المبدأ النظري للدول الصغيرة والضعيفة ، لا بد أن ينطلق من مفهوم الممانعة..
٦_بناء مجتمع العداء الوجودي مع الكيان الغاصب للأرض والمقدسات .
في هذا الزمن الصعب الذي يستعيد التصعيد السياسي والتوتر الداخلي فيه حيويته الداخلية يحضر إلى الذهن الإمام السيد موسى الصدر الذي آمن بالحوار وأعطى بلده لبنان الذي طالما سمّـاه ’’الوطن الصغير‘‘ المكان الأساسي الذي يرمي إليه الحوار : وعلى حد قوله : فـ’’الوطن الصغير الذي تمكـَّـن من حمل مشعل الثقافة والحضارة ردحًا طويلًا من الدهر يمكن أن يصبح مصدر الشرور والأخطار وأن يقضّ المضاجع‘‘
نحتاج اليوم إلى فكر الإمام الصدر وتجربته للخروج من الإنقسام السياسي والطوائفي الذي يزرع الهواجس والمخاوف ويحوِّل لبنان إلى ’’واقع استخباراتي‘‘ متعدد ومتشابك.
فالوحدة الوطنية بالنسبة الينا اليوم هي الاساس وهي غير ممكنة من دون تغليب ما هو مشترك بين اللبنانيين . فالخطر الخارجي المتمثل بالعدو الاسرائيلي يتوحد حوله اللبنانيون، أما الفتنة الطائفية التي تؤدي الى التفكك والتفتيت والانهيار الداخلي .
الامام الصدر هو داعية الوحدة الوطنية وكانت وسيلته الى ذلك تبدأ بلغة الحوار ولهذا بدأه مبكراً في صُور حيث جعل جمعية البر والاحسان لا تقتصر في نشاطاتها على الطائفة الشيعية ، فصندوقها يدخل فيه الخير من الجميع ويدها تمتد لمساعدة الجميع.
والكل يعرف كيف ان الامام موسى الصدر اسقط اوهاماً خاطئة واعتقادات لا اساس لها في الدين والعقيدة عندما وجد بعض أبناء صور قاطعوا شراء البوظة من مقهى يملكه رجل مسيحي ،فتقصّد الامام الصدر خروجه يوم الجمعة من المسجد وذهب الى المقهى وأكل بوظته أمام الجميع ... فأسقط بالممارسة الاوهام والاعتقادات الخاطئة.
من هنا أطلق الامام الصدر الحوار الاسلامي المسيحي عبر ’’منبر الندوة اللبنانية‘‘ وكانت له محاضرات عدة في كنيسة الكبوشية واليسوعية.. وكان هدف هذه المحاضرات تعميق اللحمة في البنية الاجتماعية العامة والتركيز على ان الدين في جوهره هو واحد غايته بناء الانسان وازالة الحواجز التي نصبتها عوامل مفتعلة يبرأ منها دين الله الحق وهكذا كان تركيز الامام الصدر على انه:
’’عندما نلتقي في الله تكون الاديان واحدة ، وخدمة الانسان هي الطريق الى الله وان القاسم المشترك بين الاسلام والمسيحية هو الانسان الذي هو هدف الوجود وبداية المجتمع والغاية منه والمحرك للتاريخ‘‘
لقد لاقت طروحات الامام الصدر تجاوباً من النخبة المسيحية وفي الاوساط الكنسية واعتبرها المطران حدّاد توجهات تلتقي مع ما يطرحه في تنظيم ’’الحركة الاجتماعية‘‘ التي كان قد أسسها.
ونجد أن الجهود الحوارية أنتجت بيانًا صادًا عن لجنة الحوار الاسلامي المسيحي في 8 تموز سنة 1965 الذي أكد على الثوابت الجامعة والوحدة الوطنية وقد حضره ثماني شخصيات معروفة تمثل الطوائف والمذاهب وهم :
المطران جورج خضر والشيخ صبحي الصالح وفرانسوا دوبريه لاتور ويوسف ابو حلقة وموسى الصدر وحسن صعب ويواكيم مبارك.
كان الامام يعرف تمام المعرفة ان أي تغيير جدّي على المستوى اللبناني يستحيل أن يقتصر على طائفة واحدة او على ثنائية طائفية... فالتغيير عمل وطني ينطلق من قاعدة وطنية جامعة عنوانها يبدأ من المحرومين في كل الطوائف... ولهذا كان يسعى الى هؤلاء المحرومين الذين يطمح الى توحيدهم بلغة غير طائفية من خلال ما يجمع بينهم..
سلام عليك سيدي الامام ، ها نحن قد اطلقنا من مؤتمر طهران في عام ٢٠١٩ العمل بوثيقتك الحوارية في مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان لنستنير بدربك ورؤاك من أجل لبنان سيدًا حرًا مستقلًا عربي الهُوية والانتماء ووطن نهائي لجميع أبنائه وبلد التعددية في الطوائف التي هي نعمة الله فينا وحجة الله علينا يوم الدين لنطرد معها شبح الطائفية المقيتة ونعيش الأمن والأمان انطلاقًا من مبادئك التي صاغت لغة بناء لبنان الحقيقي بقولك :
"الطوائف نعمة ، والطائفية نقمة"
"التعايش الاسلامي المسيحي ثروة يجب التمسك بها"
سنبقى على عهدك ودربك للوصول الى شاطىء الحقيقة وسنعمل بوثيقتك في أندية الفكر والثقافات وسنحمل معنا وثيقتك من لبنان إلى الفاتيكان مرورًا بالأزهر الشريف لنكرس من خلالها لغة الانسان العابر للطوائف الذي يتميز بلغة الفكر والحوار ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق