شهد لبنان تجاذبات سياسية وتبديل المواقف خلال المشاورات الرئاسية لتكليف رئيس الحكومة العنيدة. فكانت مواقف الرئيس الحريري متأرجحة بين قبول التكليف والعزوف عنه. وأصرّ المكون الشيعي على التمسك بخياره بالتمسك بالرئيس الحريري أو من يسميه ويقبل به كمرشح التكليف حتى آخر لحظة. فأبدى الحريري نيته بالعزوف عن الترشيح ورشح على دفعات السادة محمد الصفدي، بهيج طبارة وسمير الخطيب الذي كان أوفرهم حظاً ولكنه سقط بالضربة القاضية خلال زيارته لدار الفتوى. فأحرق الحريري إسمه كما أحرق أسماء الآخرين. لأنه في قرارة نفسه كان بعتقد بأنه هو المرشح الوحيد. وقد كرًس ذلك بيان دار الفتوى الحريري رئيساً وحيداً بدون منازع.
مركز الامة الواحدة - مقالات - بقلم عدنان علامة
وتلقى الحريري الطعن بالظهر من أقرب حلفائه (القوات وجنبلاط) بإعلانهم عدم التسمية في المشاورات الرئاسية الملزمة. ويضاف إلى ذلك موقف التيار الوطني الحر الذي لن يسميه أيضاً. وهذا الأمر لا يسمح تكليفه بحجم معقول من النواب. فأعلن يوم الأربعاء صراحة عزوفه عن الترشيح نهائياً وعليهم التفتيش عن بديل ولن يسمي أحداً. وبناءاً عليه تم ترشيح الدكتور حسان دياب خلال الإستشارات ونال الاغلبية َ؛ فتم تكليفه. وهو رجل "تكنوقراط، اكاديمي ومستقل بإمتياز. أصيب الجميع بالصدمة الإيجابية إلا التيار الأزرق فقد أصيب بالصدمة السلبية لأن الرئيس كان يناور وكان بعتمد سياسة أنا أو لا أحد . ولم يتوقع نهائياً تكليف غيره. فصدرت الأوامر من أعلى الهرم في قيادة تيار المستقبل بالتصعيد. فعمد المنتسبون والإنصار إلى قطع الطرقات بالقوة في كافة مناطق لبنان حيث تم إذلال الناس والإعتداء على بعضهم. ووصل الأمر إلى الإعتداء على الجيش قرب جامع عبد الناصر. واتخذ التصعيد منحى خطيراً حيث تم التجييش من خلال إثارة العصب المذهبي بالإدعاء زوراً أن "السنّة" في خطر.وقد جابت سيارة في شوارع بيروت تدعو إلى التحشيد بحجة "أن السنّة في خطر؟؟؟ً!!!
وللأسف فإن تصريحات الرئيس الحريري لا توحي بالتهدئة. وهو أخرج نفسه بنفسه من الحياة السياسية وأوصل الأمور إلى تهديد السلم الأهلي.
لذا لا بد من مراجعة الوقائع سوياً بعقل بارد وبإختصار للتأكيد على مسؤوليته منفرداً عن إخراج نفسه من الحياة السياسية:-
تقدم الرئيس الحريري بورقة إصلاحية نتيجة المطالب الشعبية المحقة وأعطى مهلة حتى نهاية العام لتنفيذها. ولكنه لم يتخذ أي خطوة إجرائية لإستيعاب غضب الشارع؛ كإعلان إنشاء مجلس وزراء مصغر لإتخاذ قرارات عاجلة تنفذ تباعاً الوعود في الورقة الإصلاحية. وبدلاً من ذلك أعلن بعد مدة إستقالته وبدون سابق إنذار وعدم التنسيق مع رئيس الجمهورية. فأصبحت الحكومة حكومة تصريف أعمال. ولكنه وللأسف لم يقوم حتى بمهامه لتصريف الأعمال وخاصة بعد تطبيق المصارف قوانين تعسفية وصارمة جداً تتحكم برؤوس أموال المودعين. كما أعلن إنضمام تياره إلى الحراك.
فأصبح الأمر في غاية التعقيد؛ فالرئيس الحريري هو رئيس حكومة تصريف أعمال وهو لا يمارس مهامه. والتيار التابع له يقطع الطرقات ويهدد السلم الأهلي. واللافت أن قادة التيار لم يتخذوا أي موقف أو إجراء بحق نائب كتلة المستقبل المحامي هادي حبيش لتجاوزه صلاحياته كنائب وكمحامي.
فالرئيس الحريري لا يزال رئيس حكومة كل لبنان لتصريف الأعمال بالرغم من عزوفه عن تنفيذ صلاحياته. وقد تغاضى عن إعتداءات تياره الخطيرة والتي هددت السلم الاهلي من خلال قطع الطرقات والإعتداءات على الجيش الوطني. وقد برر وللأسف بعض نواب التيار الأزرق بأن ذلك كان تعبيراً عن الرأي. فالحريري اليوم يجمع المتناقضات فهو بحكم الدستور لا يزال رئيس الحكومة وفي نفس الوقت يطلق التصريحات النارية في كل إتجاه وتتعارض مع صلاحيات رئيس الحكومة ومع مصلحة لبنان.
وهو من تسبب بالمشكلة بعزوفه عن الترشيح. وزاد في محنته غدر القوات وجنبلاط به. لذا لا يحق له بأي شكل من الأشكال أخذ لبنان نحو الفوضى وإثارة النعرات المذهبية نتيجة خطأ ارتكبه. وللأسف فأنه لم يستفيد نهائياً من التجارب السابقة التي مر بها شخصياً وخاصة ممن غدر به حين كان تحت الإقامة الجبرية في السعودية وتم إجباره على تقديم إستقالته.
فالرئيس الحريري أخطأ في خياراته ومراهناته، وعليه وحده تحمل النتائج.فأمن لبنان ومصلحته فوق كل إعتبار
وإن غداً لناظره قريب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق