اعتبر السيد علي السيد قاسم ان محور المقاومة يتعرض لمؤامرة صهيوأمريكية ومعها أنظمة بعض الدول العربية وخلال خطبة الجمعة في البقاع اللبناني اكد سماحته ان المتامرين مصيرهم الخذلان وقبور التاريخ والنصر المحتم للشعوب الحية المؤمنة بحقها القومي وشرف قضيتها وعز حاضرها ومستقبلها.
خطبة الجمعة لسماحة السيد علي السيد قاسم
البقاع اللبناني (٢٩١١٢٠١٩)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أضاء القلوب بنور الحق والإيمان، وأرشد العقول إلى الحقيقة بالدليل والبرهان، وحذر من لبس الحق بالباطل وجعله من صفات أهل الطغيان، ونصلي ونسلم على عبده النبي الأعظم المصطفى "ص", وعلى آله وصحبه الميامين المنتجبين ..
نشهد أن لا إله إلا الله إلهًا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا حيًا قيومًا أبدًا دائمًا سرمدًا ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ونشهد أن الأئمة الهداة أئمة الهدى ومصابيح الدجى ..
عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :
《يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ》
أيها المؤمنون لقد أنزل الله سبحانه وتعالى شريعته غراء واضحة، بيضاء نقية، أوضح فيها الحق من الباطل، والحلال من الحرام، والخير من الشر، وبيّن فيها كل شيء. ولهذا فإن من أعظم المصائب التي أصبنا بها في هذا الزمان هو اختلاط الحق بالباطل، والتباس الأمور على الناس واشتباهها حتى أصبح كثير منهم لا يميز بين الحق والباطل.
ولهذا سوف نتوقف في معرض الآية الكريمة عند قوله تعالى:
《وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ》
فاللبس : هو الخلط ،
والحق: هو الأمر الثابت الصحيح الواجب فعله من اعتقاد أو قول أو عمل .
والباطل : هو ما كان على خلاف الحق ، وهو ما لا واقع له
وجاء في معنى هذه الآية :
المعنى لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به هو الإسلام،
ولا تخلطوا ما عندكم من الحق في الكتاب بالباطل وهو التغيير والتبديل .
وقال بعضهم: قالت اليهود محمد مبعوث ولكن إلى غيرنا فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل .
أيها السادة : إن الحق أبلج واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، والباطل قبيح مظلم يرى قبحه ويحس بظلمته كل صاحب بصيرة، ولكن كثيراً من الناس اليوم يقول: لا ندري أين الحق فنتبعه؟ وأين الباطل حتى نتجنبه؟ بسبب اللبس العظيم بينهما.
إن الله سبحانه وتعالى لا يرضى باللبس بين الحق والباطل ولا يقبله، وإنما يريد الله أن يكون الحق واضحاً لسالكه حتى يتبعه على هدى وبينّه، والباطل واضح بطلانه حتى يهلك متبعه عن بينه، يقول الله في كتابه العظيم: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، ويقول: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
أيها السادة : إن أعداء الإسلام حريصون كل الحرص على التدليس بين الحق والباطل والخلط بينهما؛ حتى تشتد غربة الإسلام، ويتمكنوا من إضلال الأنام، ويتعاونون فيما بينهم في بث الشبهات حول الإسلام، وتشكيك المسلمين في كثير من عقائدهم وثوابتهم حتى يكون الحق باطلاً والباطل حقاً.
يتعاونون في وضع هذا التلبيس في قوالب من الأقوال مزخرفة، وألفاظاً من القول خادعة، وتسمية للأشياء بغير أسمائها فَضَلّ بسبب ذلك كثير من الناس، وبعضهم وقف حائراً لا يدري أين وجهة الحق فيما يسمع ويرى من التناقضات وتبرير المواقف الخاطئة المخالفة للشريعة؟ بسبب استيلاء الهوى على النفوس واستيلاء الشهوات على القلوب كما قال الله: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) .
إن ربنا -تبارك وتعالى- نهانا عن هذه الصفة المقيتة -صفة لبس الحق بالباطل- فقال: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وقال في آية أخرى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
لقد حذر الله عز وجل من هذا الأمر لأن الحق إذا اختلط بالباطل فإن معنى ذلك أن سبيل المجرمين لن يتميز عن سبيل المؤمنين، وسيبقى الدين مشوهاً عند الناس، ويبقى التلبيس فيه قائماً بسبب اختلاط الحق بالباطل، سواء عن طريق التأويل الفاسد واتباع المتشابه، أو عبر كتمان الحق وإخفائه، أو عبر تحريف الأدلة عن مواضعها، وعدم إنزالها في مواقعها.
لقد قص الله -سبحانه وتعالى- علينا في كتابه الكريم قصة قوم من المنافقين أرادوا خداع الرسول -صلى الله عليه وآله سلم ومن معه من المؤمنين ببناء مسجد يظهرون من خلال بنائهم له أنهم يريدون الخير، ولكي يختصروا المسافة على البعيدين من المسجد النبوي حتى تسهل عليهم صلاة الجماعة، ولكن الله -جل وعلا- فضحهم وعرّى باطلهم، وأظهر خبثهم وقصدهم، حتى يكونوا عبرة للمسلمين في وقتهم، وعبرة في التاريخ الطويل لمن يأتي بعدهم ممن يرفع شعارات إسلامية ظاهرها الخير، ومن وراءها الخبث والتحريف وإلباس الباطل بلباس الحق. يقول الله: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)
أظهر الله -جل جلاله- في هذه الآية العظيمة قصدهم الحقيقي من وراء تأسيس هذا المسجد، وأنه لم يبنَ لهدف الخير وتسهيل الصلاة، وإنما بني ليكون مقراً للشر والكيد، يكيدون للإسلام من داخله، وينطلقون من وسطه للإضرار بالمسلمين، والايقاع بينهم، وتفريق كلمتهم، وشق عصاهم، وليكون مأوى لكل محارب لله ورسوله والمؤمنين.
ولذلك هدمه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأزاله، وأمره ربه -جل وعلا- أن لا يقيم فيه، ولا يصلي داخله، لأنه شر ألبس لباس الخير، وباطل أظهر في صورة الحق، وأمرهم أن يبقوا في مسجدهم الأساسي الذي بني على تقوى الله ورضوانه. (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) .
عباد الله علينا أن نفهم مكر أعداء الله بنا وكيدهم لنا، وحرصهم على لبس الحق بالباطل ولبس الباطل بالحق، لكي يضيع الدين، ويدرس العلم، وتضيع الثوابت، ويبقى الناس في شك وريب من دينهم. (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
ونحن نعيش في ظل المؤامرة الصهيوأمريكية ومعها أنظمة بعض الدول العربية على محور المقاومة الذي يتجلى في إيران الإسلام والعراق وسوريا ولبنان ففي ظل الضباب في سماء بلادنا لا يسعنا إلا أن نقول للعالم كله :
ستبقى ايران وثورتها مهما تكالب عليها الاعداء الانموذج الملهم للشعوب الطامحة للسيادة والحرية والاستقلال، ولن تنسى أمتنا العربية وقواها الحية المؤمنة بخيار المقاومة سبيلا لاحقاق الحق القومي بارضنا ومياهنا وثرواتنا وكرامة انساننا، الدور المركزي لايران في دعم قوى المقاومة وانتصاراتها المحققة والآيلة للتحقق .
ونحن مؤمنون بأنه لو سلك الإمام القائد الخامنائي في وادٍ وسلك العالم كله في واد لما سلكنا إلا معه ولو كره الكافرون ونحن نقول أن اليقين الذي لا لبس فيه ولا ابهام هو ان مصير المتآمرين الخذلان وقبور التاريخ، والنصر المحتم للشعوب الحية المؤمنة بحقها القومي وشرف قضيتها وعز حاضرها ومستقبلها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق